على مدى الأسابيع الأربعة المقبلة، إن شاء الله، تنوي مذكرة المسلمين نشر سير قصيرة عن بنات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). سنبدأ اليوم بالابنة الكبرى لنبينا العزيز: زينب بنت محمد (رضي الله عنها).
كانت زينب بنت محمد (رضي الله عنها) الابنة الكبرى للنبي محمد (ص) و خديجة (رضي الله عنها). كانت متزوجة من أبي العاص بن الربيع من عشيرة عبد الشمس من قريش. لقد رزقوا بطفلين، علي وأميمة، ولكن للأسف توفي علي في طفولته.
مرت حياة زينب دون أي مشاكل كبيرة حتى تم اختيار والدها ليكون رسول الله. أُمر بنقل رسالة الإسلام، وسارعت الهزّة زينب (رضي الله عنها) في الشهادة على إيمانها بالإسلام. ومع ذلك، لم يترك زوج زينب دين أجداده ورفض اعتناق الإسلام.
بصفتها زوجة محبة ومهتمة، صلت السيدة زينب (رضي الله عنها) من أجل زوجها. وحث أهل قريش أبا العاص على تطليق زوجته فرفض ذلك. فاختارت زينب (رضي الله عنها) الإسلام، بينما ظل زوجها بعيدين عن الإسلام.
ثم جاءت الهجرة من مكة إلى المدينة، لأن قريش جعلوا الحياة صعبة على المسلمين. زينب (رضي الله عنها)، التي وقعت في مأزق، ذهبت إلى والدها وطلب إذنه بالبقاء والعيش مع زوجها. سمح لها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالبقاء مع زوجها وأولادها، بينما هاجر مسلمون آخرون إلى المدينة المنورة.
في النهاية، حان وقت معركة بدر. قرر أبو العاص، كمكفر، القتال في جيش قريش ضد المسلمين. نتج عن غزوة بدر انتصار المسلمين، وأسير أبو العاص.
لتحرير زوجها قررت زينب (رضي الله عنها) دفع مبلغ. ومع ذلك، وبالكاد لديها أي نقود ومع احتجاز زوجها في الأسر، لم يكن لديها خيار سوى إرسال عقدها من الأونيكس، الذي أهدته لها خديجة (رضي الله عنها) وقت زواجها. ولما رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم القلادة غطى وجهه حجاب الحزن والدموع في عينيه لأن القلادة ذكّرته بخديجة (رضي الله عنها). إلا أنه اختار المجتمع على عائلته، فالتفت إلى رفاقه وقال: “أرسلت زينب هذه القلادة مبلغًا للإفراج عن أبو العاص. إذا رأيت أنه من المناسب إطلاق سراح السجين وإعادة ممتلكاتها إليها، فافعل ذلك “.
وفي هذا الوقت أنزل الله الآية التالية، مبطلة الرابطة الزوجية بين المؤمن والكافر: [1]
وَلَا تَنكِحُوا۟ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌۭ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌۭ مِّن مُّشْرِكَةٍۢ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا۟ ٱلْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا۟ ۚ وَلَعَبْدٌۭ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌۭ مِّن مُّشْرِكٍۢ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُو۟لَـٰٓئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ ۖ وَٱللَّهُ يَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِۦ ۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
عند وصوله إلى مكة، أمر أبو العاص زوجته بالاستعداد للرحلة إلى المدينة المنورة، وأخبرها أن رسل والدها ينتظرونها خارج مكة. كما أمر أبو العاص أخيه عمرو بن الربيع بمرافقة زينب (رضي الله عنها) وتسليمها شخصيًا لمرافقة النبي محمد (ص)، زيد بن حارث (رضي الله عنه). فاغتاظت قريش على ذلك. طاردوا زينب (رضي الله عنها) وعمرو وهاجموهما. كانت زينب (رضي الله عنها) حاملاً، وأدت الهجمات الشرسة لقريش إلى الإجهاض.
في وقت لاحق، وصلت زينب (رضي الله عنها) المدينة المنورة وبدأت تعيش مع والدها، النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). رفضت الزواج مرة أخرى.
مر الوقت، وحدث أن أبو العاص كان عائداً ذات مرة من دمشق إلى مكة مع قافلته. تم اعتراضهم ونقل ممتلكات القافلة. وتمكن أبو العاص من الهرب وفتش الأنحاء حتى وصل إلى منزل زينب. طلب مساعدتها. وسمح له زينب (رضي الله عنها) بالدخول. ذهبت بعد ذلك إلى والدها ورفاقه، وأعلنت أنها لجأت إلى زوجها، وطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم ضمان إعادة جميع ممتلكات قافلة أبي العاص. فوافق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وغادر أبو العاص مكة بقافلته، فسلم جميع البضائع لأصحابها الشرعيين.
في تلك اللحظة بالذات، وقف أبو العاص أمام أهل قريش، وأعلن إيمانه بالله ورسوله. وبعد ذلك عاد إلى المدينة وأعلن قبوله للإسلام. طلب إذن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالعودة إلى زوجته زينب (رضي الله عنها). تم لم شملهم في شهر محرم عام 07 هـ (مايو- يونيو 628 م).
للأسف، لم يكن من المفترض أن تستمر سعادتهم لفترة طويلة. بعد مرور عام على لم شملها بزوجها، في أوائل 8 هـ (منتصف 629 م)، مرضت زينب (رضي الله عنها) وتوفيت.
إن حياة زينب (رضي الله عنها) هي مثال حقيقي للحب والإيمان القوي والصبر. أحبت زوجها غالياً، وكانت مستعدة للابتعاد عن الآخرين لتكون مع زوجها. ولكن لما جاء الوقت وأمر الله بذلك لم تتردد في الابتعاد عن أبي العاص. ستظل تضحيتها وتفانيها وصبرها بمثابة إلهام للبشرية إلى الأبد.
مراجع
- القرآن 02: 221 (سورة البقرة)
هل ترغب في قراءة المزيد؟ لماذا لا تحقق من الأجزاء الأخرى من هذه السلسلة؟
زينب (رضي الله عنها)
رقية (رضي الله عنها)
أم كلثوم (رضي الله عنها)
فاطمة (رضي الله عنها)