سورة يس هي إحدى السور المكية في القرآن، وتحتوي على ثلاثة وثمانين آية، مع فترات توقف متكررة وعبارات قصيرة لها تأثير قوي على الروح المؤمنة. الموضوع الرئيسي لسورة يس هو نفسه مثل سائر السور المكية – فهي تتحدث عن التوحيد الألوهية والتوحيد الربوبية وعقاب الذين كفروا بذلك.
القضية التي ركزت عليها سورة يس هي قضية القيامة. وهناك عدد من الأحاديث التي تتحدث عن فضائل هذه السورة، ومعظمها مختلق، وبعضها ضعيف بعض الشيء (ضعيف). أجمع العلماء على أنهم لم يجدوا أي حديث صحيح يتحدث بالتحديد عن فضائل سورة يس.
ومن الروايات التي وردت في فضائل سورة يس، وصنفتها العلماء على أنها ضعيفة، ما يلي (نكتفي هنا بنقلها للتحذير منها): [1]
إن لكلِّ شيءٍ قلبًا وقلبُ القرآنِ يَس ومن قرأ يَس كتب اللهُ له بقراءتِها قراءةَ القرآنِ عشرَ مراتٍ
من قرأ يس في ليلة أصبح مغفوراً له
من دخل المقابر فقرأ سورة يس، خفّف عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات
بعض الناس يروون حديثاً يقول: (يس لما يقرأ)، أي أن قراءة سورة يس قد تسبب وقوع ما يحتاجه القارء، وقد تسهل الأمور، حسب نية القارئ عندما يقرأ. لكن يجب التنبه إلى أنه من الخطأ نسب هذه الكلمات إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد العلماء من الصحابة أو التابعين أو الأئمة. ولم يرد مثل هذا الكلام عن أي منهم، بل أشاروا إلى الباطل.
- قال السخاوي رحمه الله عن هذا الحديث: (لا أصل لهذه الرواية). المقاصد الحسنة (741).
- قال القاضي زكريا في حاشية البيضاوي: (هو موضوع) كما يقال في كشف الخفاء (2/2215).
- يظهر شيء مشابه في الشذرة في الأحاديث المشتهرة لابن طولون الصالحي (2/1158) وفي الأسرار المرفوعة للقاري (619) وفي أماكن أخرى.
ولا يجوز لأحد أن ينسب هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن يتكلم به في مجالس الناس. يجب إخبار كل من يدعي أن التجربة تثبت صحة هذا الحديث: تُظهر التجربة أيضًا أنه بالنسبة للعديد من أولئك الذين يقرؤون يس لتلبية احتياجاتهم، فإن الله لم يلبي احتياجاتهم، فلماذا يجب أن نقبل تجربتك وليس تجربة الآخرين؟
نقل الإمام ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (3/742) عن بعض العلماء أن من صفات سورة يس أنها “لا تُقرأ في حال عسير إلا و الله يسهله”. وهذا اجتهاد من جانبهم لا دليل عليه من القرآن أو السنة ولا من كلام الصحابة أو التابعين. وهذا الاجتهاد لا ينسب إلى الله أو لرسوله، إنما ينسب إلى من قاله. لا يجوز أن ننسب إلى كتاب الله ولا لسنة رسوله شيئاً إلا ما نجزم به منه. قال تعالى: [2].
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَـٰنًۭا وَأَن تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
خاتمة
الآن نعود إلى السؤال: وماذا عن أولئك الذين تلبى احتياجاتهم عندما يقرؤون سورة يس؟
ونشير هنا إلى أن كثيرين ممن تلبى حوائجهم عند دعاء الله أو تلاوة مثل هذه الآيات، تسد حاجاتهم من تواضعهم وحاجتهم إلى الله في قلوبهم، رجوعهم الصادق إليه. هو ليس بسبب الدعاء الذي تلاوه أو الدعاء الذي قدموه بجانب القبر ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [3]
وسبب تلبية حاجات بعض المصلين المحرمات أن أحدهم قد يكون في حاجة ماسة، حتى لو كان المشرك على هذا الحال يصلي بجانب صنم يستجيب له ؛ وجّهه الصادق إلى الله، وإن كان دعاءه مع الصنم شركًا، حتى لو استوفى حاجته من الذي يتوسطه عند الله، سواء كان راكب القبر أو غيره، لا يزال يعاقب على ذلك ويسقط في النار إذا لم يغفر الله له.
ثم أضاف:
ومن هنا يخطئ كثير من الناس، لأنهم سمعوا أن بعض الصالحين البارزين قاموا بعمل عبادة أو تلاوا ضياء معينة ووجدوا أن لفعل معين أو عبادة أو دعاء معين أثر، فاعتبروا ذلك دليلاً على أن هذه العبادة. أو الدعاء خير، وهم يعتبرونه سنة كأن نبينا فعل ذلك. وهذا خطأ للأسباب المذكورة أعلاه، خاصة وأن آثار ذلك الفعل جاءت فقط نتيجة صدق قلب الإنسان عند فعله ؛ ثم أتباعه يفعلون ذلك بغير إخلاص، فيتضررون منه ؛ لأن هذا العمل غير مشروع، فلا ينالون أجره، وليس لديهم نفس صدق أولهم، الذي قد يكون. غفر له لإخلاصه وحسن نيته.
والله أعلم.
مراجع
- المودات لابن الجوزي (2/313). – الفويد المجمعة للشوكاني (979، 942). أنظر أيضا مقال بعنوان حديث قلب القرآن يس في الميزان وجملة ممة روية في فضيليها للشيخ محمد عمرو عبد اللطيف.
- القرآن 07:33 (سورة الأعراف).
- اقتضاء الصراط المستقيم 2/698، 700